الخميس، 10 يناير 2013

مقدمة




بإسمك اللهم :
يجب أن تكون الدعوة لكل القرآن ..وإلا فلا وحدة.
من الملاحظات التي لم يعيها العديد من الدارسين لإسلامنا الحنيف شموليته لكل مناحي الحياة وليست الحياة الدنيا فحسب.. بل في القرآن الكريم تفصيل لكل ما يخص عبادة الإنسان لربه في الدنيا ثم إشارات لحياة البرزخ قبل إشارات عديدة لحياته الخالدة في الآخرة.. وبهذا يكون القرآن الكريم قد أشار مرة وفصل مرة ليعم الكتاب الذي لاتفوق جمله أكثرمن 10000جملةو6666 آية كل مناحي الحياة الإنسانية في عوالمها الثلاث الدنيا والبرزخ ثم الآخرة
ولهذا فما من موضوع يمكن أن يثيره الإنسان إلا وفي الإسلام عليه تعليق مباشر من الكتاب والسنة أواستنباط من القياس أوتعقيب بالإجتهاد مما جعل الإسلام لايحرم التفكير إلا فيما يستعصي على الإنسان التفكير فيه : كالذات العلية أو الروح أو تأويل المتشابه من الكتاب الكريم ..ودون هذا فقد تكلم القرآن العليم من صفات ذات الله تعالى حتى ضرب الأمثال بالذرات وأرق المخلوقات كما في قوله تعالى : » إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا مابعوضة فما فوقها.. » أي ما فوقها في الصغر

من أسس الشمول :


من أسس الشمول :

ولهذا يكون القرآن كاملا في تبليغه إشارات الله لنا، كما تكون السنة كاملة فيما يجب أن يشير الرسول به لتبقى بعد ذلك الحرية كاملة لعلماء الأمة ليس في التفسير والتحليل والشرح فقط، بل وكذلك في التعمق والبحث عن أسرار هذا الدين ،مما جعل الكتاب الوحيد الذي ولد ملايين الكتب هو قرآننا الكريم ..فالرسول صلى الله عليه وسلم تكلم لنا من معراجه لما وراء سدرة المنتهى حتى آداب دخول المسلم للخلاء ..ولهذا فإن الإسلام أسلوب حياة كامل ـ للإنسان كعبد لربه ـ من أهم غاياته :
ــ الحفاظ على فطرة هذا الإنسان
ــ طهارة جسمه وقلبه وروحه
ــ بناء فكره ومجتمعه
ــ تكريمه دنيا وبرزخا وآخرة ما أسلم لله
وهذا لن يتم لدين لايحيط بكل مناحي الحياة الإنسانية ..وتلك خاصية من خصائص الإسلام وهي الشمولية والتي تعني الإحاطة بكل صغيرة وكبيرة تهم الإنسان في حياته وبذلك يكون الإسلام دينا يسعى
ــ للحفاظ على الإنسان
ــ للحفاظ على المجتمعات والشعوب
ــ للحفاظ على كل التوزنات الكونية
وبذلك شمل :
ــ مواضيع تتعلق بعبادة الإنسان لربه
ــ مواضيع تتعلق بتعبيد المجتمعات لله
ــ مواضيع تهم العلاقات بين الناس والمجتمعات
ــ مواضيع تشير للكون وآلائه
وبذلك غاص علماء الإسلام حتى تكلم الراسخون في علومه عن ما فوق العرش كالقلم واللوح المحفوظ والحقيقة المحمدية والعماء ليتكلم الفقهاء عن آلاف المواضيع حتى يتكلم المختصون عن حكم الإسلام في اختصاصهم لحد الكلام عن علوم القيامة حتى الحديث عن التربية الجنسية في الإسلام .
فالإسلام إذن أسلوب حياة كامل شامل..وكل حركة باسمه يجب أن تسعى لهذا الشمول وإن كانت مختصة فمن الواجب أن تربط اختصاصها بهذا ،وإلا كانت جل اجتهاداتها ظرفية وغير علمية بالمعنى الموسوعاتي للكلمة ..وما دامت كل المواضيع اليوم إلا وتتكون من مجموعات ترتبط بعلم معين فإن هذا سهل مهمة الباحثين لتقصي مدى صحة اجتهاداتهم وذلك بــ :
ــ التطلع على آراء السلف فيه
ــ التطلع على مستجدات الخلف
ــ ربطه بعلمه أو علومه
وبهذا يكون حقا اجتهادا علميا، وإلا لن يعدو بأن يكون رأيا أحاديا يستعين بع العالم الباحث حقا للوصول إلى لم الموضوع في علميته، وهذا يلزم الحذر من :
ـــ التفصيل الممل الذي يخفي شمولية الموضوع
ـــ الإجمال الطاغي الذي يضيع أهم المعاني الواجبة للشرح
وهذا يجعل الصفات التي صنفها الفقهاء سلفا في المجتهد غير كافية ـ وربما غير ضرورية كلها ـ للبحث في كثير من المواضيع وخصوصا تلك التي تتطلب الإختصاص ..أو تسعى للشمول.

إشكالية الشمول :


إشكالية الشمول :

وهناك فتاوي في الدين ثابتة لاتتغير.. لكن هنالك أخرى تتغير حسب الزمان والمكان والحال والظرف ،حتى أنه يروى أن الإمام الشافعي غير كثيرا من اجتهاداته إثر انتقاله من الشام لمصر : وبهذا يتبين أن الفقه الإسلامي تماما كفكره ليس جامدا بل متفتحا ومرنا ..وللفتوى شروط عديدة كما أن للمفتي الحق كفاءات عليا أدناها أن تكون له نظرة شمولية على موضوع إفتائه ..
لكن هناك من المسلمين من جمدوا فكرهم على أن الإسلام الحق إنما إسلام الصحابة رضوان الله عليهم ،لحد قولهم بأن لااجتهاد لسواهم.. وليدخلوا كهوف التقليد والجمود مدعين التزامهم بالنقل في حين أن المنقول الإسلامي يؤكد دوما على المعقول ..والغريب من هذا أنهم لايومنون بتطور الفكر الإنساني لحد ادعائهم أن الفكر الأسمى للأمة هو فكر ماضيها نابذين لكل ثراتنا الحضاري من أوله إلى آخره، ومتشبتين بالفقهيات لحد قول أحدهم : »لافكر في الإسلام « ..ونحن لاننكر عليهم حسن انضباطهم على الفرائض وكل شكليات العبادة ،لكنهم لايصلون إلى بناء عقولهم إسلاميا ،ناسين أن من غايات الإسلام بكل أعماله الصالحة بناء العقل المسلم وتطهير القلب المومن وتزكية النفس وتقديس الروح قبل بناء المجتمعات والأمة ..ولهذا فلاتجد لهم رِؤيا إسلامية في العديد من المجالات العلمية، ناقضين بفضاعة دور العلوم كلها في بناء المجتمعات وبناء المسلم الحق :خصوصا أن الأمر بالتعلم كان أول فعل نزل به جبريل عليه السلام : »إقرأباسم ربك الذي خلق ».. والقراءة في الإسلام غير منحصرة على شؤون الدين ،بل الرسول صلى الله عليه وسلم قال : »خذ العلم ولو من أفواه السفهاء « كما قال ـ »أطلبوا العلم ولو في الصين « والصين وقتها كانت من أنأى البلدان عن المجتمع النبوي .
فالإسلام إذن يامرنا بالتفتح على كل العلوم، وهذا لايتناقض تماما مع قوله صلى الله عليه وسلم : »عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجد » مما يجعل العديد من المسلمين يفهمون من هذا : العودة لعصر الخلافة قلبا وقالبا..فيدعون وقد التزموا ببعض الشكليات أنهم أشد اتباعا من غيرهم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حين أنه لايمكن لمسلم أن يكون في المستوى الجليل للصحابة إلا إذا كان ضليعا حقا في فهمه للدين وشمولياته ،كما تربى على ذلك معظم الصحابة رضوان الله عليهم ،فهم قد تربوا على أعلى درجات الإسلام التي هي الإحسان وكان لهم فهم بليغ للقرآن الكريم حسب المستوى العلمي لعصرهم ..
واليوم مع تقدم العلوم صار الخلف أكثر فهما للعديد من الآيات من سلفنا الصالح خصوصا في مواضيع العلوم الحقة : كالطبيعيات والفيزياء والرياضيات وما يتفرع عنها من علوم كالبيولوجيا والجيولوجيا وعلم نشأة الكون وغير ذلك..ولهذا فإن العودة إلى عصر الصحابة يستدعي العودة إلى المستوى الأعلى في العمل بالشريعة وفهم حقائق الدين وهذا هو الإحسان الذي ربى عليه الرسول أتباعه رضي الله عليهم أجمعين :والذين ربوا التابعين الذين زادوا على الكتاب والسنة العديد من اجتهاداتهم بل حكمهم وحكم وأقوال الصحابة : الذين كانت حكمهم وعلومهم في الدين بليغة ومتنوعة لحد قول علي كرم الله وجهه : »هاهنا علم كبير لو وجدت له حاملا »وأشار لصدره.. وتنوع اجتهادالصحابة الذي يؤكد هذا أدى لحد تصادم اجتهادهم وتقاتلهم وظهور الطوائف والفرق بعد الفتنة الكبرى ..مما يجعل العودة للعصر الصحابي عودة إلى تنوع فهومات واختلافات وتنوعات لم تضادها وتشتتها إلا الخلافات السياسية ..
والغريب أننا نرى اليوم من يسب المخالفين لعلي ،ومن يكفر الخوارج أو الشيعة أو غيرهم من مرجئة ومعتزلة ..لحد إقصاء كل أدوارهم في بناء المجتمع المسلم والأمة رغم اختلافاتهم ..كما ظهر اليوم والبارحة من يسفه المتكلمين ويفسق الفلاسفة ويكفر المتصوفة ، في حين أن فطاحلة العلماء يعرفون جيدا دور علم الكلام في الدفاع على منطق التوحيد وغيره من المواضيع الفكرية التي كان يثيرها أعداء الإسلام ..كما لاينكرون دور الفلسفة في تعميق فهم المسلم في عديد من عقائد دينه ، بل والفلاسفة عالميا كانوا أساسا متينا لكل العلوم الحقة الحالية من الطب حتى للرياضيات..كما لاينكرون دور المتصوفة في المحافظة على روحانية الأمة وإلا كانت قد أكلتها الماديات من زمان .. في حين أن الرؤيا الشاملة للمسلم لاتكتمل إلا بمنطق البيان الفصيح والبرهان البليغ والعرفان الحكيم ولا شمولية لفهم الباحث ما لم يتطلع ـ على موضوعه على الأقل ـ بفقهه وفكره وعرفانه .لأن الطامة كانت حين قال الفقيه فقهي فقط ليقول المفكر فكري فقط ثم ليقول العارف عرفاني أشمل.. في حين أن دور الفقه لايلغيه الفكر ودور الفكر يرسخه الفقه كما أنه لاعرفان دون فقه وتأمل ..مما يجعل ثلاتيثهما تتلاحم ولاتتناقض كما يدعي بعض الحركيين خصوصا .
فالصحابة رضوان الله عليهم لم يكن لهم فهم واحد لكنه موحد لفقههم بمدى اختلاف الفهوم،ولم يكفر صحابي أبدا من خالفه حتى أن عليا رضي الله عليه ـ وجنوده تقاتل معاوية ـ كان يجمع قتلى الجانبين في صلاة جنازة واحدة ..وفي هذا عبرة لمدى فساحة صدور الصحابة وإن تلاقت سيوفهم بسبب اجتهادات سياسية محضة ..ولهذا فإن الشمولية في الفهم تقتضي :
ــ قراءة كل العلوم الإسلامية لا الإقتصار على فكر إيديولوجي لجماعة معينة
ــ اليقين بأن الإختلاف رحمة لانقمة وأن الخلاف مذموم
ــ الإلتزام بالجدل بالحسنى لترقى الفهومات إلى الوحدة العلمية المتناسقة وإلا ظلت آراء أحادية
ــ التطلع على الفكر الإنساني كله جهد المستطاع .
مما يعني عدم سجن فكر المسلم في سطحية الآيات القرآنية أو الأحاديث الشريفة بل هناك آيات تشرحها العلوم الحقة بدقة أرقى من بيان الفقهاء ..كما أن هناك كثير من العلوم التي من الواجب تطعيمها بل وتعميقها بآيات قرآنية ،حتى أن هناك من نادى بمذهب إسلامية المعرفة التي تعني الشرح العلمي للآيات وشرح العلوم بالآيات مع مراعاة تطور العلوم ..فالفكر الإسلامي إذن بتفتحه حقق انطلاقة صحيحة لحضارتنا الحالية ..وأيضا بعمقه وشموليته سيحقق آفاق هاته المعارف الحضارية ..مما يلزم أي حركة حضارية بالشمول المؤسس على كل الأرضيات المعرفية والحركية ومتشعبا في كل المجالات ومتفرعا على كل الميادين بوعي كبير بكل التنظيمات مما يعني في جملة : »ربط كل ما هو إنساني بما هو إسلامي »..وقد صدق من قال : » كل مافي صالح الناس له سند في الشريعة الإسلامية «
لكن العقبة الكبرى المكسرة لهذا الشمول هو الحركات الإجتماعية والسياسية التي غالبا ما تغرق في متناقضات العلوم السياسية والإجتماعية والواقع من جهة والنداء بالحكم بالتنزيل شريعة وشورى من جهة أخرى.. مما يجعل من الحركات الإسلامية من تميل للواقعية لحد علمنتها، ومنها ما تناقضها بميلها الكبير للمبادئ العليا دون أية تنازلات، مما يلزم الحذر الكبير في العمل السياسي باسم الإسلام لأن السياسة اليوم لها علومها .. مما يجعل الفقيه وحده اليوم غير قادر على التعمق سياسيا، كما أن السياسي غالبا ما يكون جهله بالفقهيات علة لمحاربته للشريعة باسم الديمقراطية أوغيرها...وهذا النقص هو السبب الذي جعل العديد من « الحركات السياسية خصوصا » تنقلب إلى أحزاب ينطبق عليها قوله تعالى : »كل حزب بما لديهم فرحون » .وكل ينادي إلى فهمه الخاص مدعيا عصمة النبي دون شعور، في حين أن كلا يؤِخذ من رأيه ويرد كما ربى على ذلك النبي صحابته ولحد تنازله عن كثير من آرائه في أمور الدنيا حتى قال : »أنتم أدرى بأمور دنياكم ».

زبدة القول :




زبدة القول :

وهكذا يتبين أن العمل في الحقل الإسلامي جد متشعب ويحتاج لرأي المختصين والفقهاء معا ،إذا أردنا أن نلمس المعاني الشمولية لأي موضوع ..أما المواقف السياسية والأعمال الإجتماعية وإن كانت أدوات للوصول إلى مراكز القرار ديمقراطيا..ولها الكثير من الحسنات فإنها قاصرة على تقديم كل البديل الإسلامي حضاريا...والذي لن يتحقق إلا بتربية المسلم عمليا على الإلتزام بكل الفقهيات وبكل تدرج من الأحسن نحو الحسن ومن الجوهر نحو الشكل، وتوعيته فكريا بالإلمام بكل غايات الدين ومرامي التدين مما يقربه ولو نسبيا من فكرة عامة أو فلسفة خاصة ورؤيا واضحة عن تدينه، مما يعطيه موهبة الإهتمام بلب الأمور ،والتفكر في أي موضوع لاحتوائه من جميع أطرافه ولمه بكل شمولية، وهذا سينقد العديد من التائهين اليوم في برامج العديد من الحركات السياسية التي لاتربيهم إلا على مرامي الحركة وأفكارها وأيضا بغير شمولية مما جعلنا كإسلاميين نغرق في غموض حتى قناعاتنا حينما نحاور.
والبديل فهم شمولي والذي لن يكون إلا بالإسلام كله فقها للعمل وفكرا للوعي وتربية للسلوك حتى التزكية للنفس والقلب والروح...